الاثنين، 29 ديسمبر 2014

سلسلة تصحيح العقائد : نقض عقيدة (مرجئة العصر) في باب (الإيمان)



نقض عقيدة (مرجئة العصر) في باب (الإيمان)


أبو داوود الأثري

سلسلة تصحيح العقائد :

نقض عقيدة (مرجئة العصر) في باب (الإيمان)
------------------------------------------------------



رحم الله شيخي و غفر الله إذ قال عن سلفنجية مصر : "أما العقيدة ففر منهم فرارك من الأسد .. واحذر كل الحذر منهم فإن التجهم يجري في عروقهم والله المستعان إلا من رحم ربك .. - وأستثني تورعا - "


فضح المرجيء في التنظير الجهمي في التحقيق و التطبيق ياسر برهامي الزنديق
--------------------------------------------

كنت دائما أتهم السلفنجية في مصر و كبار منظريها (إلا من رحم الله) بالإرجاء نظرا لتخبطهم و اضطرابهم و إبتداعهم في التطبيق و التنزل فيما يتعلق بمسائل الإيمان و الكفر , إلى أن وقع تحت يدي كتاب لكبير الجهميين المدعو ياسر برهامي اللعين , و قد صنفه في بداية هذا العالم 2014 فيما يتعلق بمسائل الإيمان و الكفر , فقرأت الكتاب و كانت أوصل صدمة عندما وقفت على الصورة المرفقة من كتابه من تقسيم الإيمان إلى قول و عمل و تحديد ما أركانه التي يفوت الإيمان بفواتها و الأشياء التي هي مكملة للإيمان و ليست ركنا و لا ينتفي بإنتفائها.
جعل ياسر برهامي "أصل" الإيمان هو قول اللسان و عمله و كذلك قول القلب و عمله , فمن أتى بهما أتى بأصل الإيمان و ثبت له الإيمان , و إن لم يأتي بأي شيء من الأعمال الظاهرة , فهو و إن سمى أعمال الجوارح إيمانا (مجازا) و هو إن قال أن الإيمان يزداد و ينقص بهذه الأعمال إلا أنه جعل من أتى بالشهادتين و صدق بقلبه و تحقق عنده عمل القلب مؤمن ثابت له الإيمان , لا ينتفي عنه بإنتفاء أعمال الجوارح , يعني يقول لا إله إلا الله و يصدق بقلبه ثم لا يصلي و لا يصوم و لا يزكي و لا يحج و لا ينتهي عن الفواحش و الزنا و الخمر و لا عن أي نواهي , يجعل هذا مؤمنا ثابت له الإيمان و إن كان إيمانه ناقصا عنده .

قال البرهامي في ترجيح مذهب أن تارك جنس العمل لا يكفر و المباني الأربعة : ص55
" الراجح في هذه المسأل هو قول جمهور أهل السنة أنه لا يكفر"

و قال في ص57 :
"مسألة تارك جنس العمل:
كانت بداية فكر التوقف و التبين أنهم يقولون: بأن تارك جنس العمل الواجب - بمعنى أنه يعزم ألا يفعل شيئا حتى يموت - فهو كافر كفرا ناقلا عن الملة ناقضا لأصل الإيمان عندهم, و هذه بدعة ضلالة منكرة و هذا الكلام موجود في كتب قديمة لأصحاب منهج التوقف و التبين و ممن تأثر بالفكر القطبي منبع البدعة الجديدة المستحدثة و هي تكفير تارك جنس العمل"

هذا في التنظير فإن الدعو برهامي يوافق أهل الإرجاء تماما بتمام ثم في التحقيق و التطبيق هو يوافق غلاة المرجئة من أتباع الجهم بن صفوان الجهمية فيقول ص43:
" عن من قال أن اليهود و النصارى مؤمنون لأنهم يعلمون أنه لا إله إلا الله و ان الله خلقهم , و هذا القول كفر بواح من حيث النوع , أما تكفير صاحبه فلا بد الاستفسار منه"

و كذلك من ألقى بمصحف و وطأه بقدميه .

و قال في ص 94:
"و أما الإنقياد بالجوارح و ترك المعاصي فهو شرط في كمال الإيمان الواجب, لا في أصل الإيمان"

و قال في ص 95:
"و لا خلاف بين أهل السنة في ذلك : أن من انتفى عنه الانقياد الظاهر مع بقاء الانقياد الباطن لا يكفر"

و عليه طبعا فإن هذا الزنديق يعذر بالجهل مطلقا في كل الأمور من أصغرها لأكبرها و لا يكفر إلا من عرف الحكم الشرعي و كشفت شبهاته و أزيلت عنه كل شيء من شبهاته و فُهِّم الحكم التفاصيل و أقيمت عليه الحجة بتفصيل شديد , ثم بعد كل ذلك بعد أن عرف الحق يصر و يعاند و يستكبر و يقبى على فعله , و هو نتاج ربطهم الإيمان بأنه اعتقاد القلب و عمله و اللسان و عمله ,
فتأمّل !

1- عقيدة (مرجئة العصر) في باب الإيمان
يرى (أدعياء السلفية) وفاقاً لأهل السنة والجماعة أن الإيمان (قول وعمل، يزيد وينقص)، وهذا أمر لا يجرؤون على نفيه صراحة لإطباق السلف على القول به، لكنهم سرعان ما ينقضون ما يذهبون إليه من جهتين:
الأولى، حصرهم الكفر في التكذيب، والتكذيب نقيض التصديق، فتَؤُول حقيقة قولهم في الإيمان إلى كونه (قولا) فقط أي تصديقا بالقلب وإقراراً باللسان، وهذا عينه اعتقاد (المرجئة).
الثانية، هي قولهم إن (العمل) ليس شرطاً في الإيمان، ومعلوم أن (شرط الصحة) هو ما يلزم من عدمه عدم المشروط ولا يلزم من وجوده وجود المشروط، وعليه، فـ(أدعياء السلفية) يعتقدون أن الشخص قد يكون مسلماً مع امتناعه الكلي عن العمل، لأن (العمل) عندهم لا يدخل فيما (يصح به الإيمان)، وإنما يدخل فيما يكمل به فقط!، فالعمل عندهم (شرط الكمال) لا (شرط صحة)؛ وإذا كان ذلك، فإن شرط صحة الإيمان عند أدعياء السلفية هو (تصديق القلب وإقرار اللسان) أي (قول القلب واللسان)، فمن أتى بذينك الأمرين – أي التصديق والإقرار- فهو مؤمن حتى ولو لم يأت بعمل البتة!!
وهذا التناقض الذي وقعوا فيه، قد حصل بعينه لمن سبقهم، حيث يقول شيخ الإسلام عن (المرجئة):
"وكان كل من الطائفتين [أي من المرجئة] بعد السلف وأهل الحديث متناقضتين، حيث قالوا: الإيمان قول وعمل، وقالوا مع ذلك لا يزول بزوال بعض الأعمال [أي الأعمال التي هي ركن في الإيمان، كالالتزام الإجمالي، والصلاة]"( ).
ومن تابع كلام (مرجئة العصر) في هذا الباب فسيلحظ أنهم لا يألون جهداً في الانتصار لما سبق
وليس يخفى أن (الخوارج والمعتزلة) يشترطون آحاد الأعمال لصحة الإيمان، فمن أخل بعمل واحد فهو كافر عند (الخوارج) وفي منزلة بين المنزلتين( ) عند (المعتزلة).
أما أهل السنة والجماعة فهم وسط بين (المرجئة) و (الخوارج والمعتزلة)، فيكفّرون من ترك العمل كلية (أي جنس العمل)( ) خلافا للمرجئة، ولا يكفّرون من ترك بعض الأعمال وأتى بالبعض، على خلاف بينهم في المباني الأربعة.
ويجب أن يُعْلَم أن (العمل) في الشرع لا يُقصد به (الفعل) فحسب، ولكنه يتضمن (الترك) أيضاً، قال الحافظ ابن حجر: "والتروك أفعال على الصحيح"( ).
و(مرجئة العصر) إذ يرون عدم شرطية العمل لصحة الإيمان، فهم يقصدون أن من صدق بقلبه وأقر بلسانه ولم يصاحب ذلك عنده (فعل مأمور) ولا (ترك محظور) أنه (مؤمن ناقص للإيمان) لا يخلد في النار!! ولهذا يجمعون (الترك الكلي للمأمورات) و(الإتيان بالأعمال المكفرة بذاتها) تحت اسم (الكفر العملي)، ويزعمون أنه كفر لا ينقل عن الملة حتى يصاحبه (الجحود والاستحلال القلبيين)، فيجمعون بذلك بين (إرجاء الفقهاء) و(إرجاء الغلاة)، والله المستعان.
2- الدليل على أن (مرجئة العصر) في باب (الإيمان) على عقيدة (مرجئة الفقهاء)
أ- هل العمل شرط في صحة الإيمان أم في كماله فقط؟!
- الجواب:
قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى:
"كان الإجماع من الصحابة والتابعين من بعدهم ومن أدركناهم يقولون: الإيمان قول وعمل ونية، لا يجزىء واحد من الثلاثة إلا بالآخر"( ) .
قال الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى:
"لا خلاف أن التوحيد لا بد أن يكون بالقلب واللسان والعمل، فإن اختل شيء من هذا لم يكن الرجل مسلماً، فإن عرف التوحيد ولم يعمل به فهو كافر معاند ككفر فرعون وإبليس وأمثالهما"( ).
قال حنبل:
"حدثنا الحميدي [شيخ البخاري]قال: وأخبرت أن ناسا [يعني المرجئة] يقولون: من أقر بالصلاة والزكاة والصوم والحج ولم يفعل من ذلك شيئا حتى يموت، ويصلي مستدبر القبلة حتى يموت، فهو مؤمن ما لم يكن جاحداً إذا علم أن تركه ذلك فيه إيمانه إذا كان مقرا بالفرائض واستقبال القبلة.
فقلت [أي الحميدي]: ذاك الكفر الصراح وخلاف كتاب الله وسنة رسوله وعلماء المسلمين. قال الله تعالى: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ)الآية( )،وقال حنبل: سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل يقول: من قال هذا فقد كفر بالله ورد على الله أمره وعلى الرسول ما جاء به( )"( ).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
قال محمد بن نصر المروزي: "فمن كان ظاهره أعمال الإسلام ولا يرجع إلى عقود الإيمان بالغيب فهو منافق نفاقا ينقل عن الملة، ومن كان عقده الإيمان بالغيب ولا يعمل بأحكام الإيمان وشرائع الإسلام فهو كافر كفرا لا يثبت معه توحيد"( ).
ويقول شيخ الإسلام مبيناً أن ترك العمل الواجب كلية كفر بالله العظيم:
"فإن الله لما بعث محمد رسولا إلى الخلق، كان الواجب على الخلق تصديقه في ما أخبر، وطاعته فيما أمر، ولم يأمرهم حينئذ بالصلوات الخمس، ولا صيام شهر رمضان، ولا حج البيت، ولا حرم عليهم الخمر والربا، ونحو ذلك، ولا كان أكثر القرآن قد نزل، فمن صدقه حينئذ فيما نزل من القرآن وأقر بما أمر به من الشهادتين وتوابع ذلك، كان الشخص حينئذ مؤمنا تام الإيمان الذي وجب عليه، وإن كان مثل ذلك الإيمان [أي الإيمان الباطن والإقرار باللسان] لو أتى به بعد الهجرة لم يُقبل منه، ولو اقتصر عليه كان كافرا"( )؛فتأمل.
ويؤكد شيخ الإسلام على أن من لم يجعل عمل الجوارح لازمة للإيمان (واللازم هو شرط الصحة)( )، يلزمه ما يلزم المرجئة، وهذه نكتة تبين حقيقة مذهب (مرجئة العصر)، فيقول:
"يلزمهم ويلزم المرجئة، أنهم قالوا: إن العبد قد يكون مؤمناً تام الإيمان، إيمانه مثل إيمان الأنبياء والصديقين، ولو لم يعمل خيرا لا صلاة ولا صلة ولا صدق حديث، ولم يدع كبيرة إلا ركبها، فيكون الرجل عندهم، إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا أؤتمن خان، وهو مصر على داوم الكذب والخيانة ونقض العهود، لا يسجد لله سجدة، ولا يحسن إلى أحد حسنة، ولا يؤدي الأمانة، ولا يدع ما يقدر عليه من كذب وظلم فاحشة إلا فعلها، وهو مع ذلك مؤمن تام الإيمان، إيمانه مثل إيمان الأنبياء، وهذا يلزم كل من لم يقل إن الأعمال الظاهرة من لوازم الإيمان الباطن"( ).
فتأمل قوله هذا لتعلم أن (مرجئة العصر) يلزمهم ذلك وإن ادّعوا أن الإيمان يزيد وينقص، لأنهم لم يقولوا بأن الأعمال الظاهرة من لوازم الإيمان الباطن، أي من شروط صحته.
ويقول شيخ الإسلام رحمه الله تعالى:
"قال تعالى: (فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى،وَلَكِن كَذَّبَ وَتَوَلَّى)( )، فعُلم أن التولي ليس هو التكذيب، بل هو التولي عن الطاعة، فإن الناس عليهم أن يصدقوا الرسول فيما أخبر، ويطيعوه فيما أمر، وضد التصديق التكذيب، وضد الطاعة والتولي، فلهذا قال: (فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى،وَلَكِن كَذَّبَ وَتَوَلَّى)، وقد قال تعالى: (وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ)( )، فنفى الإيمان عمن تولى عن العمل وإن كان قد أتى بالقول"( ).

وقال:
"ففي القرآن والسنة مِن نَفْيِ الإيمان عمن لم يأت بالعمل مواضع كثيرة كما نفى فيها الإيمان عن المنافق"( ).
وقال شيخ الإسلام أيضاً:
"لو قُدّر أن قوماً قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: نحن نؤمن بما جئتنا به بقلوبنا من غير شك، ونقر بألسنتنا بالشهادتين، إلا أنا لا نطيعك في شيء مما أمرت به ونهيت عنه، فلا نصلي ولا نصوم ولا نحج، ولا نصدق الحديث، ولا نؤدي الأمانة، ولا نفي بالعهد، ولا نصل الرحم، ولا نفعل شيئا من الخير الذي أمرت به (أي أنهم عزموا على ترك جنس العمل)، ونشرب الخمر، وننكح ذوات المحارم بالزنى الظاهر، ونقتل من قدرنا عليه من أصحابك وأمتك، ونأخذ أموالهم، بل نقتلك أيضا ونقاتلك مع أعدائك (أي الأعمال المح رمة والمكفّرة)؛ هل يتوهم عاقل أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول لهم: أنتم مؤمنون كاملو الإيمان، وأنتم من أهل شفاعتي يوم القيامة، ويرجى لكم ألا يدخل أحد منكم النار؛ بل كل مسلم يعلم بالاضطرار أنه يقول لهم أنتم أكفر الناس بما جئت به، ويضرب رقابهم إن لم يتوبوا من ذلك"( ).
ويقول شيخ الإسلام أيضا:
"من الممتنع أن يكون الرجل مؤمناإيماناً ثابتاً في قلبه، ويعيش دهره لا يسجد لله سجدة، ولا يصوم من رمضان، ولا يؤدي لله زكاة، ولا يحج إلى بيته، فهذا ممتنع، و يصدر هذا إلا مع نفاق في القلب وزندقة، لا مع إيمان صحيح، ولهذا إنما يصف سبحانه بالامتناع من السجود الكفار، كقوله تعالى: (يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ،خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ)( )"( ).
وقال شيخ الإسلام بعد أن حكى تنوع عبارات السلف في تعريف الإيمان وأسباب ذلك التنوع:
"ولكن كان مقصودهم الرد على المرجئة الذين جعلوه قولا فقط، فقالوا بل هو قول وعمل، والذين جعلوه أربعة أقسام فسروا مرادهم، كما قال سهل بن عبد الله التستري عن الإيمان ما هو؟ فقال: قول وعمل ونية وسنة؛ لأن الإيمان إذا كان قولا بلا عمل فهو كفر، وإذا كان قولا وعملا بلا نية فهو نفاق، وإذا كان قولا وعملا ونية بلا سنة فهو بدعة"( ).
وقال شيخ الإسلام:
"وقد تبين أن الدين لا بد فيه من قول وعمل، وأنه يمتنع أن يكون الرجل مؤمناً بالله ورسوله بقلبه أو بقلبه ولسانه ولم يؤد واجباً ظاهراً، ولا صلاة ولا زكاة ولا صياماً ولا غير ذلك من الواجبات.. فلا يكون الرجل مؤمناً بالله ورسوله مع عدم شيء من الواجبات التي يختص بإيجابها محمد صلى الله عليه وسلم"( ).
وقال: "وإنما قال الأئمة بكفر هذا لأن هذا فرض ما لا يقع، فيمتنع أن يكون الرجل لا يفعل شيئاً مما أمر به من الصلاة والزكاة والصيام والحج (ترك جنس العمل)، ويفعل ما يقدر عليه من المحرمات، مثل الصلاة بلا وضوء وإلى غير القبلة ونكاح الأمهات (كفر العمل)، وهو مع ذلك مؤمن في الباطن، بل لا يفعل ذلك إلا لعدم الإيمان الذي في قلبه"( ) .
قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى:
"وشعب الإيمان قسمان: قولية وفعلية، وكذلك شعب الكفر نوعان: قولية وفعلية، ومن شعب الإيمان القولية شعب يوجب زوالها زوال الإيمان، فكذلك من شعبه الفعلية ما يوجب زوالها زوال الإيمان؛ وكذلك شعب الكفر القولية والفعلية، فكما يكفر بالإتيان بكلمة الكفر اختيارا وهي شعبة من شعب الكفر (القولية)، فكذلك يكفر بفعل شعبة من شعبه (الفعلية) كالسجود للصنم والاستهانة بالمصحف فهذا أصل.
وها هنا أصل آخر، وهو أن حقيقة الإيمان مركبة من قول وعمل، والقول قسمان: قول القلب وهو الاعتقاد، وقول اللسان وهو التكلم بكلمة الإسلام؛ والعمل قسمان: عمل القلب وهو نيته وإخلاصه، وعمل الجوارح، فإذا زالت هذه الأربعة زال الإيمان بكامله، وإذا زال تصديق القلب لم تنفع بقية الأجزاء، فإن تصديق القلب شرط في اعتقادها وكونها نافعة، وإذا زال عمل القلب مع اعتقاد الصدق، فهذا موضع المعركة بين المرجئة وأهل السنة، فأهل السنة مجمعون على زوال الإيمان وأنه لا ينفع التصديق مع انتفاء عمل القلب وهو محبته وانقياده، كما لم ينفع إبليس وفرعون وقومه واليهود والمشركين الذين كانوا يعتقدون صدق الرسول، بل ويقرون به سرا وجهرا، ويقولون: ليس بكاذب، ولكن لا نتبعه ولا نؤمن به؛ وإذا كان الإيمان يزول بزوال عمل القلب فغير مستنكر أن يزول بزوال أعظم أعمال الجوارح (يقصد الصلاة)، ولا سيما إذا كان ملزوماً لعدم محبة القلب وانقياده الذي هو ملزوم لعدم التصديق الجازم كما تقدم تقريره، فإنه يلزم من عدم طاعة القلب عدم طاعة الجوارح، إذ لو أطاع القلب وانقاد أطاعت الجوارح وانقادت، ويلزم من عدم طاعته وانقياده عدم التصديق المستلزم للطاعة وهو حقيقة الإيمان، فإن الإيمان ليس هو مجرد التصديق كما تقدم بيانه، وإنما هو التصديق المستلزم للطاعة والانقياد"( ).
وقال:
"من أمحل المحال أن يقوم بقلب العبد إيمان جازم لا يتقاضاها فعل طاعة ولا ترك معصية"( ).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
"ثم القلب هو الأصل، فإذا كان فيه معرفة وإرادة، سرى ذلك إلى البدن بالضرورة، لا يمكن أن يتخلف البدن عما يريده القلب، ولهذا قال النبي في الحديث الصحيح: "ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح لها سائر الجسد، وإذا فسدت فسد لها سائر الجسد، ألا وهي القلب"( ) ... فإذا كان القلب صالحاً بما فيه من الإيمان علما وعملا قلبيا، لزم ضرورة صلاح الجسد بالقول الظاهر والعمل بالإيمان المطلق، كما قال أئمة أهل الحديث: "قول وعمل" قول باطن وظاهر، وعمل باطن وظاهر، والظاهر تابع للباطن لازم له، متى صلح الباطن صلح الظاهر، وإذا فسد فسد"( ).
وقال: "ومما يدل من القرآن على أن الإيمان مستلزم للأعمال، قوله تعالى: (إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ)( )، فنفى الإيمان عن غير هؤلاء، فمن كان إذا ذُكِّر بالقرآن لا يفعل ما فرضه الله عليه من السجود لم يكن من المؤمنين"( ).
وقال: "ولهذا ينفي الله الإيمان عمن انتفت عنه لوازمه، فإن انتفاء اللازم يقتضي انتفاء الملزوم، كقوله تعالى: (وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالله والنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاء)( )"( ).
وقال شيخ الإسلام بعد أن ساق كلاما للإمام أبي ثور أفحم فيه المرجئة:
"قلت: يعني الإمام أبو ثور رحمه الله أنه لا يكون مؤمنا إلا إذا التزم بالعمل مع الإقرار، وإلا فلو أقر ولم يلتزم العمل لم يكن مؤمناً"( ).
وأخرج اللالكائي بسنده إلى الوليد بن مسلم قال:
"سمعت الأوزاعي ومالك بن أنس وسعيد بن عبد العزيز ينكرون قول من يقول: إن الإيمان قول بلا عمل، ويقولون لا إيمان إلا بعمل ولا عمل إلا بإيمان"( ).
ولا يخفى أن هذا النفي نفي للصحة، لأن الأول حال الكافر والثاني حال المنافق.
قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى:
"فإذا عرف المسلم عظم شأن هذه الكلمة [أي كلمة التوحيد]، وما قُيّدت به من القيود، ولا بد مع ذلك أن يكون اعتقادا بالجنان، ونطقا باللسان، وعملا بالأركان، فإن اختل نوع من هذه الأنواع لم يكن الرجل مسلما كما ذكر الله ذلك وبينه في كتابه"( ).
ب- ما حكم من يقول بأن العمل ليس شرطاً في صحة الإيمان؟
- الجواب:
روى أبو بكر الخلال بسنده أن حمدان بن علي الوراق قال:
سألت أحمد (ابن جنبل) وذكر عنده المرجئة، فقلت له: إنهم يقولون إذا عرف الرجل ربه بقلبه فهو مؤمن، فقال: المرجئة [أي مرجئة الفقهاء] لا تقول هذا بل الجهمية [أي غلاة المرجئة] تقول بهذا، المرجئة تقول: حتى يتكلم بلسانه وإن لم تعمل جوارحه، والجهمية تقول: إذا عرف ربه بقلبه وإن لم تعمل جوارحه، وهذا كفر"( ).
قال عبد الله بن الإمام أحمد:"حدثنا سويد بن سعيد الهروي قال: سألنا سفيان بن عيينة عن الإرجاء فقال: يقولون: الإيمان قول وعمل، والمرجئة أوجبوا الجنة لمن شهد أن لا إله إلا الله مصرّاً بقلبه على ترك الفرائض"( ).
وقال حنبل:
"حدثنا الحميدي قال: وأُخبرت أن ناساً يقولون: من أقر بالصلاة والزكاة والصوم والحج ولم يفعل من ذلك شيئا حتى يموت، ويصلي مستدبر القبلة حتى يموت، فهو مؤمن ما لم يكن جاحداً إذا علم أن تركه ذلك فيه إيمانه إذا كان مقرا بالفرائض واستقبال القبلة؛ فقلت: هذا الكفر الصراح وخلاف كتاب الله وسنة رسوله وعلماء المسلمين،.. قال حنبل: سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل يقول: من قال هذا فقد كفر بالله ورد على الله أمره وعلى الرسول ما جاء به"( ).
وقال الإمام الآجري رحمه الله تعالى:
"فالأعمال بالجوارح تصديق عن الإيمان بالقلب واللسان، فمن لم يصدق الإيمان بعمله، مثل الطهارة والصلاة والزكاة والصيام والحج والجهاد وأشباه لهذه، ورضي لنفسه بالمعرفة والقول دون العمل، لم يكن مؤمنا، ولم تنفعه المعرفة والقول، وكان تركه للعمل تكذيبا منه لإيمانه، وكان العمل بما ذكرنا تصديقا منه لإيمانه، فاعلم ذلك. هذا مذهب علماء المسلمين قديما وحديثا، فمن قال غير هذا فهو مرجىء خبيث، احذره على دينك.
والدليل على هذا قول الله عز وجل: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَ اةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ)( )"( ).

نهاية اللهم إني أتقرب إليك ببغض هذا الرجل و مقتة فيك و أتبرأ منه براءة كاملة و من معتقدة , كفرنا بكم و بدا بيننا و بينكم العدواة و البغضاء أبدا !

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إن شاء الله سقرر المشرف نشره بعد مراجعته
حياكم الله تعالى وجزيتم خيرا لتفاعلكم