الأربعاء، 25 فبراير 2015

فوائد الجـــهاد وفـــضائــله


فوائد الجهاد وفضائله

قال شيخ الإسلام رحمه الله: ((والأمر بالجهاد وذكر فضائله في الكتاب والسنة أكثر من أن يحصر)) "السياسة الشرعية ص159".
وقال أيضاً: ((فإنّ نفع الجهاد عام لفاعله ولغيره في الدّين والدنيا، ومشتمل على جميع أنواع العبادات الباطنة والظاهرة، فإنّه مشتمل من محبة الله تعالى والإخلاص له والتوكل عليه وتسليم النفس والمال له والصبر والزهد وذكر الله وسائر أنواع الأعمال على مالا يشتمل عليه عمل آخر)) "السياسة الشرعية "
وقد تفنن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في استنباط فضل المجاهد في سبيل الله، وكان له ذاك من خلال سبره وقوة تمكنه ونظره في الآيات والأحاديث التي نصت عليه، فمن ذلك.
الفائدة الأولىأن الجهاد من الأعمال التي هي أفضل ما تطوع به العبد إلى ربّه سبحانه، بل هي أفضل ممن أدى الحج والعمرة تطوعاً.
قال رحمه الله: ((والجهاد أفضل ما تطوع به الإنسان وتطوعه أفضل من تطوع الحج وغيره كما قال تعالى:﴿ أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله والله لا يهدى القوم الظالمين* الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله وأولئك هم الفائزون* يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان وجنات لهم فيها نعيم مقيم خالدين فيها أبدا إن الله عنده أجر عظيم﴾ )) مجموع الفتاوى 28/ 12".
الفائدة الثانية:أن الجهاد هو دليل على محبة العبد لسيده وربه سبحانه، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: ((فمن كان محبًا لله لزم أن يتبع الرسول فيصدقه فيما أخبر، ويطيعه فيما أمر، ويتأسى به فيما فعل، ومن فعل هذا فقد فعل ما يحبه الله، فيحبه الله، فجعل الله لأهل محبته علامتين: اتباع الرسول.. والجهاد في سبيله، وذلك لأن الجهاد حقيقته الاجتهاد في حصول ما يحبه الله من الإيمان والعمل الصالح؛ ومن دفع ما يبغضه الله من الكفر والفسوق والعصيان وقد قال تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ ﴾(التوبة: من الآية24). فتوعد من كان أهله وماله أحب إليه من الله ورسوله والجهاد في سبيله بهذا الوعيد..)) "الفتاوى 28/
وقال أيضاً: ((والجهاد دليل المحبة، فإن المحبة مستلزمة للجهاد؛ لأن المحب يحب ما يحب محبوبه، ويبغض ما يبغض محبوبه، ويوالي من يواليه، ويعادي من يعاديه، ويرضى لرضاه ويغضب لغضبه، ويأمر بما يأمر به وينهى عما ينهى عنه، فهو موافق له في ذلك، وهؤلاء هم الذين يرضى الرب لرضاهم ويغضب لغضبهم؛ إذ هم إنما يرضون لرضاه ويغضبون لما يغضب له)) "الفتاوى 28/  "
الفائدة الثالثة:أنّ في الجهاد خير الدنيا والآخرة، وفي تركه خسارة الدنيا والآخرة.
وفي هذا المعنى يقول ابن تيمية رحمه الله: ((وفضائل الأعمال وثوابها وفوائدها ومنافعها كثير في الكتاب والسنة، من هذا النمط كقوله تعالى في الجهاد (يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار) إلى قوله (وأخرى تحبونها نصر من الله وفتح قريب) فبين ما فيه من دفع مفسدة الذنوب ومن حصول مصلحة الرحمة بالجنة فهذا في الآخرة وفى الدنيا النصر والفتح وهما أيضاً دفع المضرة وحصول المنفعة ونظائره كثيرة)) الفتاوى 20/ 194".
ويقول أيضاً: ((والقائم به من الشخص والأمة بين إحدى الحسنتين دائما إما النصر والظفر، وإما الشهادة والجنة، فإن الخلق لابدّ لهم من محيا وممات، ففيه استعمال محياهم ومماتهم في غاية سعادتهم في الدنيا والآخرة، وفى تركه ذهاب السعادتين أو نقصهما، فإنّ من النّاس من يرغب في الأعمال الشديدة في الدّين أو الدنيا مع قله منفعتها، فالجهاد أنفع فيهما من كل عمل شديد، وقد يرغب في ترفيه نفسه حتى يصادفه الموت فموت الشهيد أيسر من كل ميتة وهى أفضل الميتات)) "الفتاوى 28/ 354".
الفائدة الرابعة:أن الجهاد توجب هداية السبيل، والبعد عن بنيات الطريق، يقول ابن تيمية: ((ولهذا كان الجهاد موجبا للهداية التى هى محيطة بأبواب العلم، كما دل عليه قوله تعالى: (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا) فجعل لمن جاهد فيه هداية جميع سبله تعالى ولهذا قال الإمامان عبد الله بن المبارك وأحمد بن حنبل وغيرهما: "إذا إختلف الناس فى شىء فإنظروا ماذا عليه أهل الثغر فإن الحق معهم" لأن الله يقول: (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا))) "الفتاوى 28/ 442".
الفائدة الخامسة:أن الجهاد يرفع الظلم عن النفس وعن الغير، قال ابن تيمية رحمه الله: ))الذنوب كلها ظلم فإما ظلم العبد لنفسه فقط أو ظلمه مع ذلك لغيره فما كان من ظلم الغير فلا بد أن يشرع من عقوبته ما يدفع به ظلم الظالم عن الدين والدنيا كما قال تعالى أذن اللذين يقاتلون بأنهم ظلموا وان الله على نصرهم لقدير فجعل السبب المبيح لعقوبة الغير التي هي قتاله أنهم ظلموا؛ وقال ﴿وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين﴾ فبين أن الظالم يعتدي عليه أي بتجاوز الحد المطلق في حقه وهو العقوبة وهذا عدوان جائز،كما قال تعالى﴿فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم  ..(("الفتاوى 28/ 182"
الفائدة السادسة:في الجهاد كمال النفع للخليقة، يقول ابن تيمية: ((وكذلك وصف الأمة بما وصف به نبيها حيث قال ﴿كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله وقال تعالى ﴿والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ولهذا قال أبو هريرة:"كنتم خير الناس للناس تأتون بهم في الأقياد والسلاسل حتى تدخلوهم الجنة"، فبين سبحانه أن هذه الأمة خير الأمم للناس فهم أنفعهم لهم وأعظمهم إحساناً إليهم، لأنهم كملوا أمر الناس بالمعروف ونهيهم عن المنكر من جهة الصفة والقدر، حيث أمروا بكل معروف ونهوا عن كل منكر لكل أحد وأقاموا ذلك بالجهاد في سبيل الله بأنفسهم وأموالهم وهذا كمال النفع للخلق )) "الفتاوى 28/ 123".
الفائدة السابعة:أنّ أهل الجهاد معظمون عند الله سبحانه، يقول ابن تيمية: ((وكذلك تعظيمه وتعظيم وأهله في سورة الصف التي يقول فيها﴿يأيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم، تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجرى من تحتها الأنهار ومساكن طيبة في جنات عدن ذلك الفوز العظيم وأخرى تحبونها نصر من الله وفتح قريب وبشر المؤمنين..)) الفتاوى 28/ 315".
الفائدة الثامنة: أن بالجهاد تجديد الدين، وإحياء سنّن السابقين الأولين من الصحابة والتابعين، قال ابن تيمية في رسالته للملك النّاصر عندما قدم التتار سنة 669هـ إلى حلب ))واعلموا أصلحكم الله أنّ من أعظم النّعم على من أراد الله به خيراً أن أحياه إلى هذا الوقت الذي يجدد الله فيه الدّين ويحيى فيه شعار المسلمين وأحوال المؤمنين والمجاهدين، حتى يكون شبيها بالسابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، فمن قام في هذا الوقت بذلك كان من التابعين لهم بإحسان الذين﴿رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنّات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً، ذلك الفوز العظيمفينبغي للمؤمنين أن يشكروا الله تعالى على هذه المحنة التي حقيقتها منحة كريمة من الله وهذه الفتنة التي في باطنها نعمة جسيمة)) "الفتاوى 28/ 420".
الفائدة التاسعة:الجهاد سبب في نبد العصبية والحزبية الأقليمية، يقول ابن تيمية )) وكذلك من أراد أن يكفر الله عنه سيئاته في دعوى الجاهلية وحميتها فعليه بالجهاد، فإن الذين يتعصبون للقبائل وغير القبائل مثل قيس ويمن وهلال وأسد ونحو ذلك كل هؤلاء إذا قتلوا فإن القاتل والمقتول في النار كذلك صح عن النبي أنه قال: "إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار وقيل يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول قال انه كان حريصا على قتل أخيه" أخرجاه في الصحيحين وقال "من قتل تحت راية عمّية يغضب لعصبية ويدعو لعصبية فهو في النار" رواه مسلم..)) "الفتاوى 28/ 422".
الفائدة العاشرةأنّ الله يذهب بالجهاد الهمّ والغم، ذكر الإمام ابن تيمية ))أن قوله تعالى﴿وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ دليل على أن شفاء الصدور من ألم النكث والطعن وذهاب الغيظ الحاصل في صدور المؤمنين من ذلك أمر مقصود للشارع مطلوب الحصول، وأن ذلك يحصل إذا جاهدوا كما جاء في الحديث المرفوع: "عليكم بالجهاد فإنه باب من أبواب الله يدفع الله به عن النفوس الهم والغم"..)) "الصارم المسلول 2/46"
الفائدة الحادية عشرةأنّ الجهاد سبب من أسباب التخلص من الحرام، والتوبة والأوبة للعزيز الغفار، يقول ابن تيمية: ((ومن كان كثير الذنوب فأعظم دوائه الجهاد فإن الله عز و جل يغفر ذنوبه كما أخبر الله في كتابه بقوله سبحانه وتعالى﴿يغفر لكم ذنوبكم ومن أراد التخلص من الحرام والتوبة ولا يمكن رده إلى أصحابه فلينفقه في سبيل الله عن أصحابه فان ذلك طريق حسنة إلى خلاصه مع ما يحصل له من اجر الجهاد.))"الفتاوى 28/ 421"
الفائدة الثانية عشر: أن الجهاد من أعظم الأمور التي تعين على تربية النفوس وتزكيتها عند خالقها، يقول ابن تيمية: ((ولهذا كان الجهاد سنام العمل، وانتظم سنام جميع الأحوال الشريفة؛ ففيه سنام المحبة، كما في قوله﴿فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ [المائدة: من الآية54]، وفيه سنام التوكل وسنام الصبر؛ فإن المجاهد أحوج الناس إلى الصبر والتوكل؛ ولهذا قال تعالى﴿وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ [النحل:41-42].
وقال تعالى﴿قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ [لأعراف:128].)) "الفتاوى 28/ 422".
الفائدة الثالثة عشرة:في الجهاد سبب في تأليف قلوب المسلمين، قال ابن تيمية: ((ومتى جاهدت الأمة عدوها ألف الله بين قلوبها، وإن تركت الجهاد شغل بعضها ببعض)) "جامع المسائل 300"
الفائدة الرابعة عشرةالجهاد يعلم الشجاعة والإقدام وتركه صفة من صفات الخور والجبن، قال ابن تيمية: ((المنايا محتومة، فكم ممن حضر الصفوف فسلم، وكم ممن فر من المنية فصادفته، كما قال خالد بن الوليد لما احتضر: "لقد حضرت كذا وكذا صفاً، وإن ببدني بضعا وثمانين ما بين ضربة بسيف وطعنة برمح ورمية بسهم، وهأنذا أموت على فراشي كما يموت العير فلا نامت أعين الجبناء.." )) "الفتاوى 28/ 455".
وهنا فائدة هامة يجب معرفتها وهو أن خالد بن الوليد رضوان الله عليه لقبه رسول الله صلى الله عليه وسلم بسيف الله المسلول وسيف الله تبارك وتعالى لا يكسره إلا الله وحده.
الفائدة الخامسة عشرة:الجهاد فيه مغفرة الذنوب، قال ابن تيمية: ((ومن كان كثير الذنوب فأعظم دوائه الجهاد فان الله عز و جل يغفر ذنوبه كما أخبر الله في كتابه بقوله سبحانه وتعالى:﴿يغفر لكم ذنوبكم.)) "الفتاوى 28/ 421"
هذه بعض فوائد من قام بهذه الفضيلة العظيمة..
لكن مما ينبغي أن يدركه ويعيه من أراد القيام بواجب الجهاد أمــور مشهور منثورة في كتب أهل العلم، وقد حاولت الاقتصار على ما يحتاجه إخواننا 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إن شاء الله سقرر المشرف نشره بعد مراجعته
حياكم الله تعالى وجزيتم خيرا لتفاعلكم