الثلاثاء، 17 فبراير 2015

رسالة إلى دعاة مصر


رسالة إلى دعاة مصر

كتب أخي الحبيب /السيد رسلان


حديثي هنا ليس عن ذاك الصنف من الدعاة الذين يدعون الى الله على بصيرة، لا تأخذهم في الله لَوْمَةَ لائِمٍ، لم يكتموا شيئا من الحق مَخَافَةَ سَوْطٍ وَلَا عَصًا، يفزع الناس إِليهم - بعد الله - في النوائب والشدائد والمحن والأوقات العصيبة، يدافعون وينافحون في نهارهم عن حقوق الفقراء والضعفاء والمظلومين فإِذا أَمْسَى أحدهم قال بلسان الحال أو المقال: اللهمَّ مَنْ مات جُوْعاً فلا تُؤَاخِذْنِي به، ومَنْ مات عُرْياً فلا تُؤَاخِذْنِي به. يشاركون المسلمين أفراحهم وأتراحهم ويواسونهم بالتوجع لَهُم، كما كان بِشْرِ بْنِ الحارث الحافي يفعل، فقد دخل عليه أصحابه في يَوْم شديد الْبَرْدِ وهو ينتفض وقد تخفف من ثيابه فقالوا ما هذا؟ فقال ذكرت الْفُقَرَاء وبَرْدهم وليس لي ما أواسيهم به فَأَحْبَبْت أَن أواسيهم فِي بَرْدِهم....وَلَكِنَّ حديثي هنا مُوَجَّهٌ إِلى هذا الصنف الْمُخَذِّلِ الْمُعَوِّق من الدعاة، تَسْمَع أحدهم في حال الأمن والطمأنينة وقد ارتفع صوته، وانتفخت أوداجه، وكَثُرَتْ ادِّعاءاته، فتحسبه أَسَدًا هَصُورًا و شُجَاعًا مقدامًا، فَإِذَا جَدّ الجد وكان هناك شدة ومحنة لزم الصمت وقعد في بيته ولسان حاله يقول هذا مغتسل بارد وشارب، فإِن حدث وتكلم فبكلام لا يُرْجَى خَيْرُهُ وَلا يُسْلَمُ مِنْ ضرِّهِ، بل كما يقول الشاعر: إِنْ يك خَيْرٌ فالبعيد يَنَالُهُ.. وإِنْ يك شَرٌّ فَابْنُ عَمِّكَ صَاحِبُهُ....ولا يتحرج هذا الصنف مِنَ الْإِصْرَارِ إِلى درجة الاستماتة في إِحياء سُنَّةً أهل العراق قَدِيمًا في شدة حرصهم على الانشغال بالشيء اليسير، وتفريطهم في الشيء الجليل، وذلك على عهد الصحابي الجليل عبد الله بن عمر، فقد سأله رجل منهم عن دم البعوض إذا أصاب الثوب هل يصلي فيه أم لا؟ فَرَدَّ عليه ابن عمر مُتَعَجِّبًا: ما أسألَكم عن صغيرة، وأجرأكم على كبيرة!! انظروا إلى هذا يسألني عن دَمِ الْبَعُوضِ، وقد قتلوا ابن بنت رسول الله، وقد سمعته صلى الله عليه وسلم يقول: هما ريحانتي من الدنيا....كان على هؤلاء الدعاة أن يشاركوا في الأحداث الجسام التي تَمُرُّ بها الْأُمَّة ولو بشطر كلمة في وجه الظلم والخراب، اقتداء بنبينا صلى الله عليه وسلم الذي كان في غاية النصح لأهله ولمجتمعه، والسعي في مصالحهم، فكان يحب لهم الخير، ويبذل أقصى جهده في إيصاله إليهم، كما كان يكره لهم الشر والظلم والفساد والإفساد، ويبذل أقصى جهده في تنفيرهم عنه، وكان يشق عليه الأمر الذي يشق عليهم، مصداقا لقوله تعالى: {عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ}، ويُعَلَّلُ هؤلاء سِرّ قعودهم بأنَّ ما نحن فيه فتنة التبس فيها الحق بالباطل. يقولون هذا في زمن بَدَا وكأنه قرية صغيرة، يسهل على كل ذي عقل صحيح وفطرة سليمة أن يتتبع الأمور بنفسه ليقف على وجه الحق والباطل فيها. حتى ولو سلمنا جَدَلًا بأنَّنا في فتنة فَإِنَّهُ لا يسوغ لكل متبوع مطاع من العلماء والدعاة أَنْ يقعد في بيته ويَدَعُ دَفَّةَ السفينة يقودها السفهاء والمفسدون، ومنذ زمن بعيد رَدَّ شيخ المفسرين وإِمَام المؤرخين بن جَرِير الطَّبَرِيِّ (المتوفى سنة 310هـ) على مروجي دعوى الاعتزال في أوقات الْمُهِمَّاتِ والْمُلِمَّاتِ فقال: (لو كان الواجب في كل اختلاف يقع بين المسلمين الهرب منه بلزوم المنازل وكسر السيوف لما أقيم حد ولا أبطل باطل، ولَوَجَدَ أهل الفسوق سبيلا إلى ارتكاب المحرمات مِنْ أخذ الأموال وسفك الدماء وسبي الحريم بأنْ يحاربوهم ويكف المسلمون أيديهم عنهم بأنْ يقولوا: هذه فتنة وقد نهينا عن القتال فيها. وهذا مخالف للأمر بالأخذ على أيدي السفهاء).....إِنَّ الداعية الْمُخْلِصُ المهموم على حال أُمَّتِه، المشفق على أبناء جنسه وأهل جِلْدَته يرتب أولويات دعوته، فيُقَدِّمُ الأصل على الفرع، والضروري على الحاجي والتحسيني، والْأَهَمَّ على الْمُهِمُّ كما هو منهج الأئمة المهديين، ومواقفهم في هذا الشأن محفوظة في كتب التاريخ وتراجم الرجال.......
واستمع لبياني بهذا الفيديو الهام 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إن شاء الله سقرر المشرف نشره بعد مراجعته
حياكم الله تعالى وجزيتم خيرا لتفاعلكم