فوائد نفيسة :
ما هذا التعدي على حدود الله تعالى ، وارتكاب الحرام الذي
نراه اليوم إلا ثمرة الجهل المطبق الذي ران على قلوب الكثير من المسلمين ، ولا حول
ولا قوة إلا بالله ، ولو أردت أن تحصي ما ارتكبه الناس من منكرات وكبائر وعظائم ،
ناهيك عن الصغائر ، لسكبت دماً بدل الدموع ، ولتقرح قلبك ، وتصدع رأسك ، غيرة على
حرمات الله ، وشفقة بأولئك الناس الذين طغوا وبغوا وأكثروا في الأرض الفساد ،
جهلاً وكبراً وتعالياً .
ولا حصن ولا درع ولا وقاية من عقوبة الله تعالى إلا بالعلم
النافع المؤدي للعمل الصالح .
العلم قبل القول والعمل :
لا يمكن لعبد أن يعبد الله على بصيرة وحق وصواب حتى يتعلم
كيف يعبده ، وهذا واضح اليوم ممن يُسلمون ويدخلون في الإسلام ، فالمسلم الجديد لا
يعرف ما الإسلام ، وما هي أركانه ، وكيف يحقق كل ركن منها ، فتراه كثير السؤال والاستقصاء
عن أمور دينه ، فلا يمكن له أن يصلي الظهر والعصر والعشاء أربعاً والمغرب ثلاثاً
والفجر اثنتين إلا إذا تعلم ذلك ، وهكذا بقية الأحكام .
فالمسلم الذي لا يتعلم أمور دينه لاشك أنه سيعاني كثيراً ،
وربما عَبَدَ الله على غير الوجه المشروع ، كما فعلت النصارى من قبل فأضلهم الله
تعالى ، حيث قال سبحانه : " غير المغضوب عليهم ولا
الضالين " [ الفاتحة ] .
فالمغضوب عليهم هم اليهود ، لأنهم عرفوا الحق والصواب
وتجنبوه ، والضالون هم النصارى ، لأنهم عبدوا الله على جهل ، دون علم ولا بصيرة ،
وأخرج الشيخان في صحيحيهما من حديث أبي واقد الليثي رضي
الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بينما هو
جالس في المسجد والناس معه ، إذ أقبل ثلاثة نفر ، فأقبل اثنان إلى رسول الله صلى
الله عليه وسلم وذهب واحد ، قال : فوقفا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأما
أحدهما فرأى فرجة في الحَلْقَة فجلس فيها ، وأما الآخر فجلس خلفهم ، وأما الثالث
فأدبر ذاهباً ، فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ألا أخبركم عن
النفر الثلاثة ؟ أما أحدهم فآوى إلى الله فآواه ، وأما الآخر فاستحيا فاستحيا الله
منه ، وأما الآخر فأعرض فأعرض الله عنه " .
في هذا الحديث فضيلة طلب العلم والجلوس لتحصيله واستماعه .
وفي الحديث صفات لله تعالى ، كالاستحياء ، والإعراض ،
والواجب أن تمر هذه الصفات كما هي دون تشبيه ولا تعطيل ولا تمثيل ولا تحريف ، ولا
يجوز تأويلها بغير معناها الظاهر من لوازمها وغير ذلك ، بل الواجب إثبات صفات الله
عز وجل كما هي ، فإن الله يوصف بالحياء الذي يليق به سبحانه ولا يشابهه فيه خلقه
كسائر صفاته سبحانه ، فهو سبحانه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ، وهذا قول أهل
السنة في جميع صفات الله تعالى الواردة في الكتاب والسنة الصحيحة ، وهو طريق
النجاة ، فتنبه أيها المسلم واحذر .
وورد في فضل الجلوس لحلقات العلم وطلبه نصوص
كثيرة .
أقوال العلماء في طلب العلم :
قال الشافعي رحمه الله : "
طلب العلم أفضل من الصلاة النافلة " [ أخرجه البيهقي ، وأبو نُعيم في
الحلية ، وإسناده صحيح ورجاله ثقات / جامع بيان العلم وفضله 1/123 ] .
وقال الزهري رحمه الله : "
ما عُبد الله بمثل الفقه " [ أخرجه عبد الرزاق في المصنف بسند صحيح ]
.
وقال مطرف رحمه الله : " فضل
العلم أعجب إلي من فضل العبادة " [ إسناده حسن ] .
وقال عون بن عبد الله : حدثت عمر بن عبد العزيز أن كان
يُقال : "إن استطعت فكن عالماً ، فإن لم تستطع
فكن متعلماً ، وإن لم تستطع فأحبهم ، وإن لم تستطع فلا تبغضهم " ، فقال عمر
بن عبد العزيز : لقد جعل الله عز وجل له مخرجاً إن قَبِل " [ أخرجه
يعقوب بن سفيان في المعرفة والتأريخ ، وأخرجه أبو خيثمة في العلم ، بإسناده صحيح ]
.
ولا حصن ولا درع ولا وقاية من عقوبة الله
تعالى إلا بالعلم النافع المؤدي للعمل الصالح .
وإلا فتعال بنا نخوض فيما يرتكبه الناس من أفعال محرمة ،
عرضاً لا إسهاباً :
ترك الصلاة بالكلية ، أو ترك بعض الفروض ، وتأخير بعضها عن
وقتها المشروع حتى يخرج ، أو أداؤها مجاملة وحياءً وهذا هو النفاق المتوعد صاحبه
بالعذاب الشديد ، والوعيد الأكيد ، ترك الزكاة ، ترك الحج مع القدرة عليه ، إفطار
شهر رمضان عمداً بلا عذر ، عقوق الوالدين ، إهمال الأبناء والزوجات ، فعل فاحشة
اللواط ، والزنا ، والسحاق بين النساء ، انتهاك أعراض المسلمين ، أكل الربا ،
والرشوة ، وأكل أموال الناس بالباطل ، وأكل مال اليتيم ، وظلم اليتامى ، وظلم
الزوجات والأبناء ، وظلم الخدم والعمال ، الحلف بالله كذباً ، شهادة بالزور ،
الواسطة المحرمة ، إسبال الثياب ، شرب الدخان ، وتعاطي المخدرات والمسكرات ،
مشاهدة الفاضح من الفضائيات ، مشاهدة أفلام الرذيلة عبر القنوات الفضائية ، أو عبر
أشرطة الفيديو ، أو عبر المجلات الهابطة ، بيع الدخان للناس ، بيع أشرطة الغناء
وسماعه ، إدخال النغمات الموسيقية إلى بيوت الله تعالى دون مراعاة لحرمة المساجد
وقدسيتها ، السرقة ، حلق اللحى ، تبرج النساء ، عصيان الزوجات لأزواجهن ، عضل
البنات عن الزواج من أجل أكل رواتبهن ، مظاهر الشرك حول القبور والأضرحة ، والذبح
لغير الله ، ودعاء غير الله ، والنذر لغير الله ، ومعاونة الكفار على المسلمين ،
وترك الجهاد في سبيل الله وهو فرض كفاية ، الاحتفال بأعياد وأيام غير مشروعة شرعاً
، ولو أردنا أن نعدد لاحتجنا لوقت طويل ، ومجلدات لنحصي تلك المنكرات والكبائر
المهلكات ، وكلها موجودة الآن في بلاد المسلمين ، ولم يسلم بلد منها أو جلها ، ومع
ذلك نعجب أننا ندعو فلا يستجاب لنا ، كل ذلك بما كسبت أيدينا ، إما فاعلين للمنكر
، وإما راضين به ، وإما ساكتين عنه ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ، ولم نرى من
انبرى من أهل العلم اليوم لإيقاف زحف عاصفة التغريب الدينية ، وإفشال المخططات
النصرانية اليهودية ، بل رأينا من العلماء الضلال من يؤيد بعض الكبائر ، كتحليل
الفوائد البنكية مثلاً ، وهي حرب لله ولرسوله ، أو جواز إدخال الدش إلى المنازل
لقصد أو لآخر ، وغير ذلك من سقيم الفتاوى ، ومريض الدعاوى ، نسأل الله الهداية
لأمة الإسلام ، والعودة الحميدة إلى الدين القويم ، والصراط المستقيم .
هذا ما أحببت الإشارة إليه ، نُصحاً للأمة ، وإنقاذا لها
من الهلاك ، ولواجب تبليغ العلم وعدم كتمانه ، وأرجو كل من اطلع على هذه الأسطر أن
يبلغها لغيره ، الإمام في مسجده ، والرئيس في دائرته ، والمرؤوس في عمله ، والوالد
في بيته ، والجار لجاره ، والرجل في حيه ، والمرأة لأخواتها في بيتها وعملها ،
وهكذا حتى نحصد الثمرة الطيبة من ذلك .
اللهم إنا نسألك علماً نافعاً ، وعملاً صالحاً متقبلاً ،
اللهم علمنا ما ينفعنا ، وزدنا علماً ، اللهم إنا نعوذ بك من علم لا ينفع ، ومن
قلب لا يخشع ، ومن نفس لا تشبع ، ومن دعاء لا يُسمع ، نعوذ بك اللهم من هؤلاء
الأربع ، يا ذا الجلال والإكرام ، يا حي يا قيوم ، والله الموفق والهادي إلى سواء
السبيل ، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين ، والحمد
لله رب العالمين
اللهم ارزقنا علماً نافعاً وعملاً متقبلاً وجسداً على
البلاء صابراً