الأربعاء، 25 مايو 2011

يا زينب أفقري أختك صفية جملا

يا زينب أفقري أختك صفية جملا
حدثنا عبد الله حدثني أبى ثنا عبد الرزاق قال ثنا جعفر بن سليمان عن ثابت قال حدثتني شميسة أو سمية قال عبد الرزاق هو في كتابي سمينة عن صفية بنت حيي أن النبي  r حج بنسائه فلما كان في بعض الطريق نزل رجل فساق بهن فأسرع فقال النبي  r كذاك سوقك بالقوارير يعنى النساء فبينا هم يسيرون برك بصفية بنت حيي جملها وكانت من أحسنهن ظهرا فبكت وجاء رسول الله r حين أخبر بذلك فجعل يمسح دموعها بيده وجعلت تزداد بكاء وهو ينهاها فلما أكثرت زبرها وانتهرها وأمر الناس بالنزول فنزلوا ولم يكن يريد أن ينزل قالت فنزلوا وكان يومي فلما نزلوا ضرب خباء النبي r ودخل فيه قالت فلم أدر علام أهجم من رسول الله  r  وخشيت أن يكون في نفسه شيء مني فانطلقت إلى عائشة فقلت لها تعلمين أني لم أكن أبيع يومي من رسول الله  r بشيء أبدا وأني قد وهبت يومي لك على أن ترضي رسول الله  r عني قالت نعم قال فأخذت عائشة خمارا لها قد ثردته بزعفران فرشته بالماء ليذكى ريحه ثم لبست ثيابها ثم انطلقت إلى رسول الله  rفرفعت طرف الخباء فقال لها مالك يا عائشة إن هذا ليس بيومك قالت ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء فقال مع أهله فلما كان عند الرواح قال لزينب بنت جحش يا زينب أفقري أختك صفية جملا وكانت من أكثرهن ظهرا فقالت أنا أفقر يهوديتك فغضب النبي  r حين سمع ذلك منها فهجرها فلم يكلمها حتى قدم مكة وأيام منى في سفره حتى رجع إلى المدينة المحرم وصفر فلم يأتها ولم يقسم لها ويئست منه فلما كان شهر ربيع الأول دخل عليها فرأت ظله فقالت إن هذا لظل رجل وما يدخل على النبي  r  فمن هذا فدخل النبي r فلما رأته قالت يا رسول الله ما أدري ما أصنع حين دخلت على قالت وكانت لها جارية وكانت تخبؤها من النبي r فقالت فلانة لك فمشى النبي r إلى سرير زينب وكان قد رفع فوضعه بيده ثم أصاب أهله و رضى عنهم.
(مسند أحمد بن حنبل ج6/ص337)

الجمعة، 13 مايو 2011


حقيقة أم تهويل؟

حقيقة  أم  تهويل؟

سؤال : الولايات المتحدة حذرت رعاياها في دول الخليج وفي المنطقة بشكل عام من عمليات ستقومون بها أنتم وأنصاركم خاصة في شهر رمضان الحالي . أولاً ما مدى جدية مثل هذه التحذيرات بالنسبة للرعايا الأمريكان وهل تستهدفون الرعايا الأمريكان بشكل عام أم القوات الأمريكية المتواجدة في الخليج وفي بعض المناطق الإسلامية الأخرى ؟؟
أسامة : سمعت هذا الخبر قبل أيام في الإذاعات، وهو مبشر على نهوض الأمة بفضل الله سبحانه وتعالى. ولكن ما مدى جدية هذه التهديدات، إذا عرفت من يهدد لاستطعت أن أقول، لكن إلى الآن لم أعرف من هو الذي قام بهذا الجهد المبارك، لكن نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقهم ويفتح عليهم، وأن يمنحهم رقاب الأمريكان وغيرهم.  ( وهذا إن دل فإنما يدل على براءة الشيخ من التفجيرات التي استهدفت المدربين المتدربين الأجانب في قواعدهم بالبلاد العربية كتفجيرات الخبر وتفجيرات الرياض وتفجيرات الأردن وعدم معرفة الشيخ حتى تاريخ كتابة السطور بمنفذيها. )
ولكن عن الفتوى السابقة لدينا تقسيم مختلف عما يدعيه الكفار، وإن كانوا هم يدعون دعاوي يمشون بخلافها. نحن نفرق بين الرجل وبين المرأة والطفل والشيخ الهرم. أما الرجل فهو مقاتل سواء حمل السلاح أو أعان على قتالنا بدفعه الضرائب وجمعه المعلومات فهو مقاتل، أما ما ينشر بين المسلمين من أن أسامة يهدد بقتل المدنيين، فهم ماذا يقتلون؟ في فلسطين يقتلون الأطفال وليس المدنيين فقط، بل الأطفال، فأمريكا استأثرت بالجانب الإعلامي وتمكنت بقوة إعلامية ضخمة وهي تكيل بمكيالين مختلفين في أوقات حسبما يناسبها، فالمستهدف حسب ما ييسر الله للمسلمين كل رجل أمريكي هو عدو سواء كان من الذين يقاتلوننا قتالاً مباشراً أو من الذين يدفعون الضرائب، ولعلكم سمعتم هذه الأيام أن نسبة الذين يؤيدون كلينتون في ضرب العراق تقريباً ثلاثة أرباع الشعب الأمريكي! فشعب ترتفع أسهم رئيسه عندما يقتل الأبرياء، شعب عندما يقترف رئيسه الفواحش العظيمة والكبائر تزيد شعبية هذا الرئيس، شعب منحط لا يعرف معنى للقيم أبدا.


قصة  المرض

سؤال: البنتاغون الأمريكي نشر تقارير عن صحتكم وذكر أن هذه التقارير منسوبة لجهات باكستانية واستخبارية تفيد بأنكم تعانون من مرض عضال وأنكم قد لا تعمرون سوى خمسة أو ستة أشهر حسب هذه التقارير، أولاً ما مدى صحة هذه التقارير؟ ثانياً ما الهدف من نشرها في هذه الظروف وبعد نشر التحذيرات للرعايا الأمريكان من إمكانية قيامكم بعمليات أنتم وأنصاركم ؟؟

أسامة : أما من ناحية الصحة فلله الحمد والمنة نشكره دائما، وأنا أتمتع بصحة جيدة جداً بفضل الله، وكما ترى فنحن هنا في الجبال نتحمل هذا البرد القارس ونتحمل في الصيف حرارة المنطقة، وبفضل الله ما زالت هوايتي المفضلة ركوب الخيل، وإلى الآن بفضل الله أستطيع أن أسير على الخيل مسافة سبعين كيلومتراً دون توقف بفضل الله سبحانه وتعالى، فهذه إشاعات مغرضة لعل الغرض منها محاولة  التثبيط لمعنويات المسلمين المتعاطفين معنا، ولعل الغرض منها تهدئة روع الأمريكان من أسامة، وأنه لا يمكن أن يفعل شيئا. لكن الأمر ليس متعلق بأسامة. هذه الأمة من ألف ومائتين مليون مسلم لا يمكن قطعاً حتماً أن تدع بيت الله العتيق لهؤلاء المجرمين من اليهود والنصارى، فالأمة بإذن الله متواصلة ونحن مطمئنون أنهم سيواصلون الجهاد والضرب المؤلم للأمريكان وأعوانهم بإذن الله .

هل المجاهدون وكلاب أهل النار يستوون؟!!!







هل المجاهدون وكلاب أهل النار يستوون؟!!!
كثيرا ما وصفوا المجاهدين أنهم خوارج والخوارج معروفون ومعلوم مكانهم ومعلومة فرَقهم ومعلومة أفكارهم ولكن من يتشدقون بقشور علم لكي يقال مثقفين وهم لا يفهمون
وأشهر فرق الخوارج الموجودة الآن على الساحة هي الإباضية ومعلوم مكانهم في سلطنة عمان فهل سمعنا محاربة لهم كما يحارب المجاهدون؟ لكن الإعلاميين لا يعرفون .. لا يفقهون .. لا يفهمون .. إلا من رحم الله .. يقولون إنهم خوارج لأنهم خرجوا على الحاكم ونقول في المسألة نظر وفي المسألة اجتهاد وفي المسألة خلاف .. علماء الجهاد قالوا إنا على استعداد لمجالسة أي لجنة من لجان الحكام بمعنى ) وفد من علماء الأزهر – وفد من جامعة المدينة المنورة ( هل زارت لجنة من العلماء مواقع الجهاد ؟
يقولون إنهم خرجوا على الحكام ولا يلتفتون للحاكم إذا ما خرج عن دين الإسلام ؟ فليجيبوا أنفسهم كيف جوابهم لو خرج الحاكم عن شريعة الله ؟ !!!
بلا مداهنة أو نفاق.. بالله كونوا منصفين ولو على أنفسكم .. وفي حق الخوارج نقول بقول الله جل وعلا : {وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ إِنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }التوبة115
وما كان الله ليضلَّ قومًا بعد أن مَنَّ عليهم بالهداية والتوفيق حتى يبيِّن لهم ما يتقونه به, وما يحتاجون إليه في أصول الدين وفروعه. إن الله بكل شيء عليم, فقد علَّمكم ما لم تكونوا تعلمون, وبيَّن لكم ما به تنتفعون, وأقام الحجة عليكم بإبلاغكم رسالته.
حدثنا سويد بن غفلة: قال علي رضي الله عنه:
إذا حدثتكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً، فوالله لأن أخرَّ من السماء، أحب إلي من أن أكذب عليه، وإذا حدثتكم فيما بيني وبينكم، فإن الحرب خدعة، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (سيخرج قوم في آخر الزمان، أحداث الأسنان، سفهاء الأحلام، يقولون من خير قول البريَّة، لا يجاوز إيمانهم حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرميَّة، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم، فإن في قتلهم أجراً لمن قتلهم يوم القيامة).

وكان ابن عمر يراهم شرار خلق الله، وقال: إنهم انطلقوا إلى آيات نزلت في الكفار، فجعلوها على المؤمنين.

بينا النبي صلى الله عليه وسلم يقسم، جاء عبد الله بن ذي الخويصرة التميمي فقال: اعدل يا رسول الله، فقال: (ويحك، ومن يعدل إذا لم أعدل). قال عمر بن الخطاب: ائذن لي فأضرب عنقه، قال: (دعه، فإن له أصحاباً، يحقر أحدكم صلاته مع صلاته، وصيامه مع صيامه، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرميَّة، ينظر في قذذه فلا يوجد فيه شيء، ثم ينظر إلى نصله فلا يوجد فيه شيء، ثم ينظر إلى رصافه فلا يوجد فيه شيء، ثم ينظر في نضيِّه فلا يوجد فيه شيء، قد سبق الفرث والدم، آيتهم رجل إحدى يديه، أو قال: ثدييه، مثل ثدي المرأة، أو قال: مثل البضعة تدردر، يخرجون على حين فرقة من الناس).
قال أبو سعيد: أشهد سمعت من النبي صلى الله عليه وسلم، وأشهد أن علياً قتلهم، وأنا معه، جيء بالرجل على النعت الذي نعته النبي صلى الله عليه وسلم، قال: فنزلت فيه: {ومنهم من يلمزك في الصدقات}.
وأحكام الخوارج هذه يفصّلها العلماء وقضاة المحاكم لا الصحافيون والإعلاميون فالرجال في الجهاد لا يمكن أن يقدح صحفي في إسلامهم أو يزايد إعلامي على إيمانهم فالكلمة في هذا للعلماء والفقهاء فهم جدلا وإن خرجوا فقد خرجوا بدليل عندهم وبرهان ولا يماري في عدول الحكام عن الحق في هذا الزمان إلا مجنون أو منافق أو جبان والمجاهدون أولى بالاجتهاد من سدنة المحابر.

هل قتل حقا أسامة بن لادن أبرياء؟




هل قتل حقا أسامة بن لادن أبرياء؟
للجواب على هذا السؤال وكما وعدت في أول المقال بأني لن أقول فلان قال أو علان قال ولكني سأردّ بالحجة البالغة بمالكنا قال ورسولنا قال: {إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ }آل عمران140
إن أصابتكم -أيها المؤمنون- جراح أو قتل في غزوة "أُحد" فحزنتم لذلك, فقد أصاب المشركين جراح وقتل مثل ذلك في غزوة "بدر". وتلك الأيام يُصَرِّفها الله بين الناس, نصر مرة وهزيمة أخرى, لما في ذلك من الحكمة, حتى يظهر ما علمه الله في الأزل ليميز الله المؤمن الصادق مِن غيره, ويُكْرِمَ أقوامًا منكم بالشهادة. والله لا يحب الذين ظلموا أنفسهم, وقعدوا عن القتال في سبيله.
وقال جل شأنه : {الَّذِينَ اسْتَجَابُواْ لِلّهِ وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ مِنْهُمْ وَاتَّقَوْاْ أَجْرٌ عَظِيمٌ }آل عمران172
الذين لبُّوا نداء الله ورسوله وخرجوا في أعقاب المشركين إلى "حمراء الأسد" بعد هزيمتهم في غزوة "أُحد" مع ما كان بهم من آلام وجراح, وبذلوا غاية جهدهم, والتزموا بهدي نبيهم, للمحسنين منهم والمتقين ثواب عظيم.
{إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ }التوبة111
إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم بأن لهم في مقابل ذلك الجنة, وما أعد الله فيها من النعيم لبذلهم نفوسهم وأموالهم في جهاد أعدائه لإعلاء كلمته وإظهار دينه, فيَقْتلون ويُقتَلون, وعدًا عليه حقًا في التوراة المنزلة على موسى عليه السلام, والإنجيل المنزل على عيسى عليه السلام, والقرآن المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم. ولا أحد أوفى بعهده من الله لمن وفَّى بما عاهد الله عليه, فأظهِروا السرور-أيها المؤمنون- ببيعكم الذي بايعتم الله به, وبما وعدكم به من الجنة والرضوان, وذلك البيع هو الفلاح العظيم.
وأمر سقوط الضحايا في المسلمين أمر مهم وعظيم إلا أن أكثر من يأخذ علمه عن الإعلاميين قد وقع في الخطر لأنه أخذ الأمر بعاطفته لا بشرع ربه والدين .كان أولى به أن يبكيَ ويصرخ ويجأر ليدافع عن الذين يموتون مخمورين ومخدّرين ومستبيحين لكل الحرمات أو ان يدافع عن الذين يموتون سكارى على أبواب الحانات لا أن يبكي ويولول بعاطفة زائفة على أناس اتخذهم الله شهداء.
ولقد بينت الشريعة الإسلامية هذا الأمر وجلته لكن أهل الصحافة توّهوه وزيّفوه.
 ولقد وضحت المصادر التشريعية في الإسلام هذا الأمر ونحن هنا نود أن نعرّف الإخوة مسألة التترّس في الشرع و التي يستفسر عنها كثير من الناس بل وتتباين فيها الأفهام من بين السقيم منها والسليم فأقول وبالله التوفيق التترس هو أن يتترس جيش الكفار المهاجم منه أو المدافع محتميا بمن يحرم قتله من المسلمين وغيرهم ليمنع هذا الكافر عن نفسه أن تصل إليه يد المسلمين ،أو أن يتخذوا لهم معسكرات في المدن والقرى المسلمة يعني أن الكفرة جعلوا في مقدمتهم بعض المسلمين ليكونوا حماية لهم من ضرب المسلمين لهم ، على أنهم يكثرون الفساد ويحتلون البلاد ويضعفون بذلك شوكة المسلمين ، فهنا يجوز قتل المسلمين المتترس بهم تبعا لا قصدا ، أكرر: تبعا لا قصدا ، حتى لا يقوّلنا المتقولون ما لم نقل .

يعني: المسألة هنا مسألة اضطرارية يضطر لها المجاهدون أهل الرأي والخبرة ، وقد نقل الاتفاق بين العلماء على هذه المسألة جمع من العلماء ، وممن نقل ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى وقدس روحه حيث قال في مجموع الفتاوى (20/ 52) (28/ 537، 546) قال: ولقد اتفق العلماء على أن جيش الكفار إذا تترسوا بمن عندهم من أسرى المسلمين وخيف على المسلمين الضرر إذا لم يقاتلوا فإنهم يقاتلون وإن أفضى ذلك إلى قتل المسلمين الذين تترسوا بهم. انتهى.
وممن نقل ذلك أيضا ابن قاسم في حاشية الروض (4 / 271) قال في الإنصاف: وإن تترسوا بمسلم لم يجز رميهم إلا أن نخاف على المسلمين فيرميهم ويقصد الكفار وهذا بلا نزاع. انتهى.
وأيضا القرطبي في تفسيره (16/287) قال قد يجوز قتل الترس ولا يكون فيه اختلاق إن شاء الله ، وذلك إذا كانت المصلحة ضرورية كلية قطعية ، فمعنى كونها ضرورية: أنها لا يحصل الوصول إلى الكفار إلا بقتل الترس ، ومعنى أنها كلية : أنها قاطعة لكل الأمة حتى يحصل من قتل الترس مصلحة كل المسلمين ، ومعنى كونها قطعية: أن تلك المصلحة حاصلة من قتل الترس قطعا ولا شك .
وأيضا الشوكاني في السيل الجرار (4/533) قال: جواز قتل المتترَّس بهم إذا كان في ذلك دفع لمفسدة عظيمة بمفسدة دونها بمراحل وأدلة الشريعة الكلية تقتضي هذا ... وفي الشر خيار ، ولكن لا يكتفي في ذلك بمجرد الظنون الكاذبة والخيالات المختلة .

يتبين من كل هذا أنه لا بد من تقييم ضرر الكفار حينها ، فإن كان ضررهم كبيرا فإن قتل بعض المسلمين حينئذ يكون مغتفرا من باب الجهاد فقط ، من باب النكاية والإثخان في العدو مع التضحية ببعض المسلمين فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وحسبنا الله ونعم الوكيل .
إذن لا يتوسع أحد توسعا غير محمود في هذه المسألة والذي يقدر هذه الأمور هم المجاهدون ، أما بالنسبة إلى المقتولين من المتترس بهم فإننا نحسبهم شهداء ، لأنهم قتلوا من أجل مصلحة الإسلام ولأنهم غير مستحقي القتل ، هذا إذا كانوا حقا أبرياء ، أما إذا كانوا ممن يقاتلون في جيش الكفار _ مكرهين أو غير مكرهين _ أو ممن يعينون الكفار على المسلمين ويظاهروهم فهؤلاء مرتدون كافرون خارجون عن شريعة الإسلام ، فمن كان منهم مكرها لا يستطيع الامتناع ، فهذا يحشر على نيته يوم القيامة ، وإن كان فيهم من هم من خيار الصالحين من المسلمين فإنهم يقتلون لأجل مصلحة الإسلام وهذا باتفاق المسلمين كما سلف .
وقد ثبت في البخاري ومسلم من حديث عائشة رضي الله عنها ما يثبت ذلك في الجيش الذي أراد أن ينتهك حرماته وفيهم المكره وغير المكره فأهلكهم الله تعالى جميعا مع قدرته على التمييز بينهم فذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله يبعثهم على نياتهم.
وليتنا نسمع ممن ينقمون على المجاهدين ويدّعون قتلهم للأبرياء أن يقولوا لنا كيف نمنع قتل الأبرياء بفلسطين إلا بالمجاهدين ؟ كيف نمنع قتل الأبرياء في العراق إلا بالمجاهدين ؟ كيف نمنع قتل الأبرياء في أفغانستان إلا بالمجاهدين ؟ وهل الذين يسقطون ضحايا الحرب في العراق شهداء والذين سقطوا ضحية للحرب في الرياض ليسوا شهداء ؟ وهل الذين يقتلون في غزة شهداء والذين قتلوا من المسلمين في الخُبر ليسوا شهداء؟
وهل الذين يقتلون في أفغانستان شهداء والذين قتلوا في باكستان ليسوا شهداء؟
فهل الشهادة مرتبطة بقطر أو بلد ؟
عندما أقاتل المعتدي الغاصب في بلاده أو بلاد إعداده أو بلاد تدريبه أو بلاد قواعده أو بلاد حربه أفلا يعد هذا جهاد ؟ أينما قاتلتهم فهو في سبيل الله.
قال تعالى{وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ }البقرة191

واقتلوا الذين يقاتلونكم من المشركين حيث وجدتموهم, وأخرجوهم من المكان الذي أخرجوكم منه وهو "مكة". والفتنة -وهي الكفر والشرك والصد عن الإسلام- أشد من قتلكم إياهم. ولا تبدؤوهم بالقتال عند المسجد الحرام تعظيمًا لحرماته حتى يبدؤوكم بالقتال فيه, فإن قاتلوكم في المسجد الحرام فاقتلوهم فيه. مثل ذلك الجزاء الرادع يكون جزاء الكافرين.
فنحن مطالبون أن نكون لهم إرهابيين ماداموا لله أعداء ولدينه محاربين.
{وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ }الأنفال60
وأعدُّوا - يا معشر المسلمين - لمواجهة أعدائكم كل ما تقدرون عليه مِن عدد وعدة, لتُدْخلوا بذلك الرهبة في قلوب أعداء الله وأعدائكم المتربصين بكم, وتخيفوا آخرين لا تظهر لكم عداوتهم الآن, لكن الله يعلمهم ويعلم ما يضمرونه. وما تبذلوا من مال وغيره في سبيل الله قليلا أو كثيرًا يخلفه الله عليكم في الدنيا, ويدخر لكم ثوابه إلى يوم القيامة, وأنتم لا تُنْقصون من أجر ذلك شيئًا.

السبت، 7 مايو 2011

مدنية بشريعة الإسلام التى كونت أول حياة مدنية في التاريخ ..2





وقد وضع الإمام الشافعي قاعدة جليلة دقيقة في نحو هذا، ولكنه لم يضعها في الذين يشرعون القوانين عن مصادر غير إسلامية، فقد كانت بلاد الإسلام إذ ذاك بريئة من هذا العار، ولكنه وضعها في المجتهدين العلماء من المسلمين، الذين يستنبطون الأحكام قبل أن يتثبتوا مما ورد في الكتاب والسنة الصحيحة، ويقيسون ويجتهدون برأيهم على غير أساس صحيح، فقال في كتاب (الرسالة) رقم 178: "ومن تكلف ما جهل وما لم تثبته معرفته كانت موافقته للصواب –إن وافقه من حيث لا يعرفه غير محمودة، والله أعلم، وكان بخطئه غير معذور، إذا ما نطق فيما لا يحيط علمه بالفرق بين الخطأ والصواب فيه".
ومعنى هذا واضح: أن المجتهد في الفقه الإسلامي، على قواعد الإسلام، لا يكون معذوراً إذا ما كان اجتهاده على غير أساس من معرفة، وعن غير تثبت في البحث عن الأدلة من الكتاب والسنة، حتى لو أصاب في الحكم، إذ تكون إصابته مصادفة، لم تبن على دليل، ولم تبن على يقين، ولم تبن على اجتهاد صحيح.
أما الذي يجتهد ويتشرع!! على قواعد خارجة عن قواعد الإسلام، فإنه لا يكون مجتهداً، ولا يكون مسلما، إذا قصد إلى وضع ما يراه من الأحكام، وافقت الإسلام أم خالفته، فكانت موافقته للصواب، إن وافقه من حيث لا يعرفه، بل من حيث لا يقصده، غير محمودة، بل كانوا بها لا يقلون عن أنفسهم كفراً حين يخالفون، وهذا بديهي.
وليس هذا موضع الإفاضة والتحقيق في هذه المسألة الدقيقة. وما كان هو المثل الذي نضربه، ولكنه تمهيد.
والمثل: أنا نرى كثيراً من المسلمين الذين عهد إليهم بتنفيذ هذه القوانين والقيام عليها، بالحكم بها، أو بالشرح لها، أو بالدفاع فيها، نراهم مسلمين فيما يتبين لنا من أمرهم، يصلون ويحرصون على الصلاة، ويصومون ويحرصون على الصوم، ويؤدون الزكاة ويجودون بالصدقات راضية نفوسهم مطمئنين، ويحجون كأحسن ما يحج الرجل المسلم، بل نرى بعضهم يكاد يحج هو وأهله في كل عام، ولن تستطيع أن تجد عليهم مغمزاً في دينهم، من خمر أو رقص أو فجور، وهم فيما يفعلون مسلمون مطمئنون إلى الإسلام، راضون معتقدون عن معرفة ويقين.
ولكنهم إذا مارسوا صناعتهم في القضاء أو التشريع أو الدفاع، لبستهم هذه القوانين، وجرت منهم كالشيطان مجرى الدم، فيتعصبون لها أشد العصبية، ويحرصون على تطبيق قواعدها والدفاع عنها، كأشد ما يحرص الرجل العاقل المؤمن الموقن بشيء يرى أنه هو الصواب ولا صواب غيره، وينسون إذ ذاك كل شيء يتعلق بالإسلام في هذا التشريع، إلا ما يخدع به بعضهم أنفسهم أن الفقه الإسلامي يصلح أن يكون مصدراً من مصادر التشريع! فيما لم يرد فيه نص في قوانينهم، ويحرصون كل الحرص على أن يكون تشريعهم تبعاً لما صدر إليهم من أمر أوربا في معاهدة منترو، مطابقاً لمبادئ التشريع الحديث، وكما قلت مراراً في مواضع من كتبي وكتاباتي: وتبًّا لمبادئ التشريع الحديث.
فهؤلاء الثلاثة الأنواع: المتشرع والمدافع والحاكم، يجتمعون في بعض هذا المعنى ويفترقون، والمآل واحد.
أما  المتشرع: فإنه يضع هذه القوانين وهو يعتقد صحتها وصحة ما يعمل، فهذا أمره بيّن، وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم.
وأما المدافع: فإنه يدافع بالحق والباطل، فإذا ما دافع بالباطل المخالف للإسلام معتقداً صحته، فهو كزميله المتشرع. وإن كان غير ذلك كان منافقاً خالصاً، مهما يعتذر بأنه يؤدي واجب الدفاع.
وأما الحاكم: فهو موضع البحث وموضع المثل. فقد يكون له في نفسه عذر حين يحكم بما يوافق الإسلام من هذه القوانين، وإن كان التحقيق الدقيق لا يجعل لهذا العذر قيمة.
أما حين يحكم بما يُنافى الإسلام، مما نص عليه في الكتاب أو السنة، ومما تدل عليه الدلائل منهما، فإنه – على اليقين- ممن يدخل في هذا الحديث: قد أمر بمعصية القوانين التي يرى أن عليه واجباً أن يطيعها أمرتْه بمعصية، بل بما هو أشد من المعصية: أن يخالف كتاب الله وسنة رسوله، فلا سمع ولا طاعة، فإن سمع وأطاع كان عليه من الوزر ما كان على آمره الذي وضع هذه القوانين، وكان كمثله سواء.
وقد صنع رجال كبار من رجال القانون عندنا شيئاً شبيهاً بهذه القاعدة، احتراماً منهم لقوانينهم التي وضعوها.
فقد قرر مجلس الدولة مبدأين خطيرين، فيما إذا تعارض قانون عادي من قوانين الدولة مع القانون الأساسي، وهو الدستور، فجعل الأولوية للدستور، وأنه يجب على المحاكم أن لا تطبق القانون العادي إذا عارضه.
ومجلس الدولة هيئة من أعلى الهيئات القضائية، وُكل إليه فيما وُكل إليه من الاختصاص أن يحكم بإلغاء القرارات الإدارية التي تصدرها الحكومة إذا ما صدرت مخالفة للقوانين.
وهذان المبدآن اللذان نحن بصددهما أصدرتهما الدائرة الأولى من ذلك المجلس، برئاسة رئيسه محمد كامل مرسي باشا، وهو واضع قانون مجلس الدولة، أو هو الذي له اليد الطولى في إصداره، وهو الذي ولى رئاسته أول ما أُنشىء، وهو مرسي قواعده، ومثبت أركانه. والمبدآن اللذان قررهما:
أحدهما: "أنه ليس في القانون المصري ما يمنع المحاكم المصرية من التصدي لبحث دستورية القوانين، بل له المراسيم بقوانين، سواء من ناحية الشكل، أو الموضوع".
وثانيهما: أنه لا جدال في أن الأمر الملكي رقم 42 لسنة 1923 بوضع نظام دستوري للدولة المصرية، هو أحد القوانين التي يجب على المحاكم تطبيقها، ولكنه يتميز عن سائر القوانين بما له من طبيعة خاصة تضفي عليه صفة العلوّ، وتسمه بالسيادة، بحسبانه كفيل الحريات وموئلها، ومناط الحياة الدستورية ونظام عقدها. ويستتبع ذلك: أنه إذا تعارض قانون عادي مع الدستور في منازعة من المنازعات التي تطرح على المحاكم، وقامت بذلك لديها صعوبة، مثارها أي القوانين هو الأجدر بالتطبيق، وجب عليها بحكم وظيفتها القضائية أن تتصدى لهذه الصعوبة، وأن تفصل فيها على مقتضى أصول هذه الوظيفة، وفي حدودها الدستورية المرسومة لها. ولا ريب في أنه يتعين عليها عند قيام هذا التعارض أن تطرح القانون العادي وتهمله، وتغلب عليه الدستور وتطبقه، بحسبانه القانون الأعلى الأجدر بالإتباع. وهي في ذلك لا تتعدى على السلطة التشريعية، ما دامت المحكمة لا تضع بنفسها قانوناً، ولا تقضي بإلغاء قانون، ولا تأمر بوقف تنفيذه. وغاية الأمر. أنها تفاضل بين قانونين قد تعارضا، فتفصل في هذه الصعوبة، وتقرر أيهما الأولى بالتطبيق. وإذا كان القانون العادي قد أُهمل، فمرد ذلك في الحقيقة إلى سيادة الدستور العليا على سائر القوانين، تلك السيادة التي يجب أن يلتزمها كل من القاضي والشارع [يريد المتشرع!!] على حد سواء".
(القضية رقم 65 سنة1 قضائية، في مجموعة أحكام مجلس الدولة، تأليف الأستاذ محمود عاصم ج1 ص377، 379).
ومن البين البديهي الذي لا يستطيع أن يخالف فيه مسلم: أن القرآن والسنة أسمى سمواً، وأعلى علواً، من "الدستور" ومن كل القوانين، وأن المسلم لا يكون مسلماً إلا إذا أطاع الله ورسوله، وقدم ما حكما به على كل حكم وكل قانون، وأنه يجب عليه أن يطرح القانون إذا عارض حكم الشريعة الثابت بالكتاب والسنة الصحيحة، طوعاً لأمر رسول الله في هذا الحديث: "فإن أُمِر بمعصية فلا سمع ولا طاعة".
(وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً) (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ؟ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ -وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ- وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيداً، وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُوداً، فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَآؤُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً، أُولَـئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً –إلى قوله- فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً) (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ؟ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ؟).

مدنية بشريعة الإسلام التى كونت أول حياة مدنية في التاريخ ..1



كلمة حق هي مدخل حديثنا
نريدها دولة مدنية تحكم بالشريعة الإسلامية
ألا لا يمنعنَّ أحدكم رهبةُ الناس أن يقول بحق إذا رآه أو شهده، فإنه لا يقرب من أجلٍ ولا يباعد من رزق، أن يقول بحق، أو يذكر بعظيم
 (حديث صحيح)
ما أقل ما قلنا كلمة الحق في مواقف الرجال. وما أكثر ما قصّرنا في ذلك، إن لم يكن خوفاً فضعفاً، ونستغفر الله، وأرى أن قد آن الأوان لنقولها ما استطعنا، كفارة عما سلف من تقصير، وعما أسلفت من ذنوب، ليس لها إلا عفو الله ورحمته. والعمر يجري بنا سريعاً، والحياة توشك أن تبلغ منتهاها.
وأرى أن قد آن الأوان لنقولها ما استطعنا، وبلادنا، بلاد الإسلام، تنحدر في مجرى السيل، إلى هوّة لا قرار لها، هوة الإلحاد والإباحية والانحلال. فإن لم نقف منهم موقف النذير، وإن لم نأخذ بحُجَزِهم عن النار، انحدرنا معهم، وأصابنا من عقابيل ذلك ما يصيبهم، وكان علينا من الإثم أضعاف ما حُمِّلوا.
ذلك بأن الله أخذ علينا الميثاق: (لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ) وذلك بأن الله ضرب لنا المثل بأشقى الأمم: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ، كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ).
وذلك بأن الله وصفنا –معشر المسلمين- بأننا خير الأمم: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ). فإن فقدنا ما جعلنا الله به خير الأمم، كنا كمثل أشقاها، وليس من منزلة هناك بينهما.
وذلك بأن الله يقول: (الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ).
وذلك بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ألا لا يمنعن أحدكم رهبة الناس أن يقول بحق إذا رآه أو شهده، فإنه لا يقرّب من أجل، ولا يباعد من رزق، أن يقول بحق، أو يذكّر بعظيم).
وذلك بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يحقرن أحدكم نفسه، قالوا: يا رسول الله، كيف يحقر أحدنا نفسه؟ قال: يرى أمراً لله عليه فيه مقال، ثم لا يقول فيه، فيقول الله –عز وجل- له يوم القيامة: ما منعك أن تقول فيّ كذا وكذا؟ فيقول: خشية الناس، فيقول: فإياي كنت أحق أن تخشى".
نريد أن نقول كلمة الحق في شؤون المسلمين كلها. نريد أن ننافح عن الإسلام ما استطعنا، بالقول الفصل، والكلمة الصريحة، لا نخشى فيما نقول أحداً إلا الله. إذ نقول ما نقول في حدود ما أذن الله لنا به، بل ما أوجب علينا أن نقوله، بهدي كتاب ربنا وسنة رسوله.
نريد أن نحارب الوثنية الحديثة والشرك الحديث، اللذين شاعا في بلادنا وفي أكثر بلاد الإسلام، تقليداً لأوربا الوثنية الملحدة، كما حارب سلفنا الصالح الوثنية القديمة والشرك القديم.
نريد أن ننافح عن القرآن، وقد اعتاد ناس أن يلعبوا بكتاب الله بين أظهرنا، فمن متأول لآياته غير مؤمن به، يريد أن يقْسِرها على غير ما يدل عليه صريح اللفظ في كلام العرب، حتى يوافق ما آمن به، أو ما أُشربَته نفسه، من عقائد أوربا ووثنيتها وإلحادها، أو يقربه إلى عاداتهم وآدابهم –إن كانت لهم آداب- ليجعل الإسلام ديناً عصرياً في نظره ونظر ساداته الذين ارتضع لبانهم، أو رٌبِّيَ في أحضانهم!!
ومن منكر لكل شيء من عالم الغيب، فلا يفتأ يحاور ويداور، ليجعل عالم الغيب كله موافقاً لظواهر ما رأى من سنن الكون، إن كان يرى، أو على الأصح لما فهم أن أوربا ترى!! نعم، لا بأس عليه –عنده- أن يؤمن بشيء مما وراء المادة، إن أثبته السادة الأوربيون، ولو كان من خرافات استحضار الأرواح!!.
ومن جاهل لا يفقه في الإسلام شيئاً، ثم لا يستحي أن يتلاعب بقراءات القرآن وألفاظه المعجزة السامية، فيكذب كل الأئمة والحفاظ فيما حفظوا ورووا. تقليداً لعصبية الإفرنج التي يريدون بها أن يهدموا هذا الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ليجعلوه مثل ما لديهم من كتب.
وهكذا مما نرى وترون.
نريد أن نحفظ أعراض المسلمين. وأن نحارب ما أحدث (النسوان) وأنصار (النسوان) من منكرات الإباحية والمجون والفجور والدعارة، هؤلاء (النسوان) اللائي ليس لهن رجال، إلا رجالاً (يشبهن) الرجال!! هذه الحركة النسائية الماجنة، التي يتزعمها المجددون وأشباه المجددين، والمخنثون من الرجال، والمترجلات من النساء، التي يهدمون بها كل خلق كريم، يتسابق أولئك وهؤلاء إلى الشهوات، وإلى الشهوات فقط.
نريد أن ندعو الصالحين من المؤمنين، والصالحات من المؤمنات: الذين بقي في نفوسهم الحِفاظُ والغيرة ومقومات الرجولة، واللائي بقي في نفوسهن الحياء والعفة والتصوّن –إلى العمل الجدي الحازم على إرجاع المرأة المسلمة إلى خدرها الإسلامي المصون، إلى حجابها الذي أمر الله به ورسوله، طوعاً أو كرهاً.
نريد أن نثابر على ما دعونا وندعو إليه من العودة إلى كتاب الله وسنة رسوله في قضائنا كله، في كل بلاد الإسلام، وهدم الطاغوت الإفرنجي الذي ضُرب على المسلمين في عقر دارهم في صورة قوانين، والله تعالى يقول: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيداً، وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُوداً). ثم يقول: (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً).
نريد أن نتحدث في السياسة، السياسة العليا للأمم الإسلامية، التي تجعلهم (أمة واحدة)، كما وصفهم الله في كتابه، نسمو بها على بدعة القوميات، وعلى أهواء الأحزاب. نريد أن نبصّر المسلمين وزعماءهم بموقعهم من هذه الدنيا بين الأمم، وتكالب الأمم عليهم بغياً وعدواً، وعصبية وكراهية الإسلام أولاً وقبل كل شيء.
نريد أن نعمل على تحرير عقول المسلمين وقلوبهم من روح التهتك والإباحية، ومن روح التمرد والإلحاد، وأن نريهم أثر ذلك في أوربا وأمريكا، اللتين يقلدانهما تقليد القردة، وأن نريهم أثر ذلك في أنفسهم وأخلاقهم ودينهم.
نريد أن نحارب النفاق والمجاملات الكاذبة، التي اصطنعها كتّاب هذا العصر أو أكثرهم فيما يكتبون وينصحون! يظنون أن هذا من حسن السياسة، ومن الدعوة إلى الحق (بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ) اللتين أمر الله بهما! وما كان هذا منهما قط، وإنما هو الضعف والاستخذاء والملق والحرص على عرض الحياة الدنيا.
وما نريد بهذا أن نكون سفهاء أو شتّامين أو منفّرين. معاذ الله، و"ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان، ولا الفاحش ولا البذيء" كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولكنا نريد أن نقول الحق واضحاً غير ملتو، وأن نصف الأشياء بأوصافها الصحيحة، بأحسن عبارة نستطيعها. ولكنا نربأ بأنفسنا وبإخواننا، أن نصف رجلاً يعلن عداءه للإسلام، أو يرفض شريعة الله ورسوله –مثلاً- بأنه "صديقنا"، والله سبحانه نهانا عن ذلك نهياً حازماً في كتابه.
ونربأ بأنفسنا أن نضعف ونستحذى، فنصفَ أمة من الأمم تضرب المسلمين بالحديد والنار، وتهتك أعراضهم وتنتهب أموالهم، بأنها أمة "صديقة" أو بأنها أمة "الحرية والنور"، إذا كان من فعلها مع إخواننا أنها أمة "الاستعباد والنار"! وأمثال ذلك مما يرى القارئ ويسمع كل يوم، من علمائنا –نعم من علمائنا- ومن كبرائنا وزعمائنا ووزرائنا! والله المستعان.
نريد أن نمهد للمسلمين سبيل العزة التي جعلها الله لهم ومن حقهم إذا اتصفوا بما وصفهم به: أن يكونوا "مؤمنين". نريد أن نوقظهم وندعوهم إلى دينهم بهذا الصوت الضعيف، صوت مجلتنا هذه المتواضعة. ولكننا نرجو أن يدوّي هذا الصوت الضعيف يوماً ما، فيملأ العالم الإسلامي، ويبلغ أطراف الأرض، بما اعتزمنا من نية صادقة، نرجو أن تكون خالصة لله وحده، جهادا في سبيل الله. إن شاء الله.
فإن عجزنا أو ذهبنا، فلن يعدم الإسلام رجلاً أو رجالاً خيراً منا، يرفعون هذا اللواء، فلا يزال خفاقاً إلى السماء، بإذن الله..
قال الإمام أحمد بن حنبل في مسند عبد الله بن عمر:
قال: "السمع والطاعة على المرء فيما أحب أو كره، إلا أن يُؤمر بمعصية فإن أُمِرَ بمعصية فلا سمع ولا طاعة".
إسناده صحيح. ورواه البخاري (82:6 و109:13 من فتح الباري)
وهذا الحديث أصل جليل خطير من أصول الحكم، لا نعلم أنه جاء في شريعة من الشرائع، ولا في قانون من القوانين، على هذا الوضع السليم الدقيق المحدّد، الذي يحدّد سلطة الحاكم، ويحفظ على المحكوم دينه وعزته.
فقد اعتاد الملوك والأمراء، واعتادت الحكومات في البلاد التي فيها حكومات منظمة وقوانين، أن يأمروا بأعمال يرى المكلف بها أن لا مندوحة له عن أداء ما أُمر به.
وصارت الرعية، في هؤلاء وهؤلاء، لا يطيعون فيما أمروا به إلا أن يوافق هوى لهم أو رغبة عندهم، وإلا اجتهدوا أن يقصروا في أداء ما أمروا به، ما وجدوا للتقصير سبيلاً، لا يلاحقهم فيه عقاب أو خوف.
وكل هذا باطل وفساد، تختل به أداة الحكم، وتضطرب معه الأنظمة والأوضاع. إذ لا يرون أن الطاعة واجبة عليهم، وإذ يطيعون –في بعض ما يطيعون- شبه مرغمين إذا لم يوافق هواهم ولم يكن مما يحبون.
أما الشرع الإسلامي: فقد وضع الأساس السليم، والتشريع المحكم، بهذا الحديث العظيم. فعلى المرء المسلم أن يطيع من له عليه حق الأمر من المسلمين، فيما أحب وفيما كره، وهذا واجب عليه، يأثم بتركه، سواء أعرف الآمر أنه قصّر أم لم يعرف، فإنه ترك واجباً أوجبه الله عليه، وصار ديناً، من دينه، إذا قصّر فيه كان كما لو قصّر في الصلاة أو الزكاة أو نحوهما من واجبات الدين التي أوجب الله.
ثم قيد هذا الواجب بقيد صحيح دقيق، يجعل للمكلف الحق في تقدير ما كلف به، فإن أمره من له الأمر عليه بمعصية، فلا سمع ولا طاعة. ولا يجوز له أن يعصي الله بطاعة المخلوق، فإن فعل كان عليه الإثم، كما كان على من أمره، لا يعذر عند الله بأنه أتى هذه المعصية بأمر غيره، فإنه مكلف مسؤول عن عمله، شأنه شأن آمره سواء.
ومن المفهوم بداهة: أن المعصية التي يجب على المأمور أن لا يطيع فيها الآمر، هي المعصية الصريحة التي لا يتأول فيها المأمور ويتحايل، حتى يوهم نفسه أنه امتنع لأنه أُمر بمعصية، مغالطة لنفسه ولغيره.